2216 ليس أهم من حياة اليمنيين
كان الأسبوع الماضي حاملاً لآمال البسطاء من اليمنيين الذين وضعوا آمالهم في أن تثمر الجهود التي بذلها السلطان قابوس بن سعيد للتوصل إلى فتح الطريق أمام تسوية سياسية لوضع حدّ للصراع المرير على السلطة، ومرت الأيام دامية ثقيلة على اليمنيين في الداخل والخارج وهم ينتظرون ارتفاع مستوى المتصارعين أخلاقياً وإنسانياً، ولكن الواضح أن النزعة الوطنية عندهم لم تصل إلى الحد الذي يفرض عليهم تقديم التنازلات الكبرى واستبعاد الذاتي منها.
وضعت الأشهر التسعة عشر الماضية أغلبية اليمنيين أمام أقسى تجربة سالت فيها الدماء واستعرت النيران في كل بيت وتعاظمت الكراهية والأحقاد على كل المستويات وعلى امتداد البلاد، ولم تؤثر صور الأطفال القتلى واليتامى ومشاهد المجاعة في كل منطقة يمنية على ضمائر المتحاربين، وما يزيد الصورة قتامة أن وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المساندة لكل طرف حشدت الأصوات ليس للتنديد بما يجري ولكن لاتهام الطرف الآخر بالفظائع التي ارتكبها الجميع، إما تحت غطاء الدفاع عن النفس وإما بمبرر التخلص من “الاحتلال”، ولم يكتفوا بهذا بل أقحموا المجتمع في خضم صراع طائفي لم تكن اليمن تعرفه بهذه الحدّة من قبل.
على مدى عشرين شهراً تحولت المعركة من صراع بين “الشرعية” و”الانقلاب” إلى حرب على أحقية حكم البلاد، ولم تعد الحالة الإنسانية تثير انزعاج الطرفين مكتفيَين بنقل الاتهامات إلى المعسكر الآخر غير، مدركَين أن هذه الأوضاع لا يمكنها أن تهيئ لأي منهما فرصة للمشاركة في الحكم ناهيك عن التفكير بالانفراد به إذ بلغت الأحقاد والكراهية بين المتحاربين ما لا يمكن تجاوزه باتفاق يتصوّرون فيه ممثلين عن الشعب اليمني بأكمله.
ما يجب أن يدركه الجميع أن الإقليم والمجتمع الدولي يريدان إغلاق الملف كي يتفرغا لقضايا أشد تعقيداً وأكثر تأثيراً على مستقبل المنطقة، ولا يجوز مقارنة الوضع اليمني مع يحدث في سوريا والعراق، ويكفي النظر إلى الخطوط الجغرافية التي تحيط بتلك البلدان وتعقيدات جوارها.
الأوضاع في اليمن وكل ما يحدث فيه تهم في المقام الأول المملكة العربية السعودية مباشرة ودول الخليج عموماً وتؤثر فيها أمنياً واجتماعياً وسياسياً، وعليه فإن استشعار القلق من امتداد النفوذ الإيراني إلى اليمن بعد سوريا والعراق أمر طبيعي يجب التوصل إلى تفاهمات يمنية – خليجية حول مسبباته ووسائل التخفيف منه لأن الحديث عن مخاطره ومحاولة إقصائه كلية تحتاج إلى بنية فكرية داخل المجتمع غير متوافرة حالياً إلا عند جماعات متطرفة دينياً يجب السعي لتجنب المزيد من نفوذها حتى لا يتحول إلى صراع طائفي بامتياز، ومن غير المعقول سياسياً في ظل التداخل الذي يشهده العالم وانكسار مفهوم السيادة التقليدي أن نتصور غياب المؤثرات الخارجية في أي قُطر مهما بلغت درجة مناعته الداخلية.
خلال الأيام الماضية تقدم المبعوث الأممي السيد إسماعيل ولد الشيخ بورقة لم تختلف في جوهرها عن المشروع الذي كان معروضاً أثناء المفاوضات / المشاورات التي جرت في قصر بيان بالكويت ما بين شهري أبريل ويونيو هذا العام، واستندت “خريطة الطريق” التي صاغتها الرباعية (السعودية، الإمارات العربية، بريطانيا والولايات المتحدة) إلى القرارات الدولية ومن بينها القرار الشهير (٢٢١٦) الذي أدركت الدول التي صاغته ضرورة إعادة النظر فيه لأنه كان في نصوصه يركز على قضية السلطة فقط، ولكن الشهور التسعة عشر جعلت هذه المسألة أمراً ثانوياً مقارنة بالحالة الإنسانية الكارثية التي ما عاد محتملاً التغاضي عنها وصارت دول الإقليم بداية والمجتمع الدولي محتاجين إلى ممارسة المزيد من المساعي لإقناع الكل بأن يجعلوا الوطن لا الموقع السياسي هدفاً وحيداً لهم.
اليمنيون البسطاء يعيشون تحت ظروف إنسانية شديدة القسوة من المتوقع أن تكون حافزاً لدول مجلس التعاون للمزيد من التدخل الإيجابي وعدم الاكتفاء بالتفاهمات لتوزيع مواقع السلطة بل الأهم توسيع دائرة الاتصال لتشمل جميع الفئات المؤثرة داخل وخارج اليمن لضمان ديمومة أي اتفاق يتم التوصل إليه.
وكيل وزارة الخارجية اليمنية سابقاً