حينما قهقه رصاصهم في وجه تسامحنا
ليس أقسى على الغاشم الذي استباح أرض الجنوب متطامناً ومتكئاً على جرح جنوبي كان آنذاك مازال طازجاً، ولحظة تشرذم حينها ظن الغاشم المستبيح أنها ستدوم بين أبناء الجنوب ، ليس أقسى عليه من أن يرى تصالحاً وتسامحاً يونع في قلوب الجنوبيين نحو بعضهم، أن يرى تلاحماً لن يترك للعبته النجسة التي جبل عليها لتفريقهم طريقا للمرور.
بالأمس ظهر القتلة جلياً، لطالما قالوا أن علي عبد الله صالح هو عدو الجنوبيين الأوحد، وقلنا نحن بل هي منظومة سياقية كاملة في الشمال بقضها وقضيضها، ربما تبدو لوهلة حجارة بنيانها متنافرة فيما بينها، ولكنها لا تستوقف نظرة متفحصة لتظهر مدى تجانس خاماتها ونهلها من ذات الطينة الواحدة، لربما مكونات تلك المنظومة يشوبها خلاف في ادوار وإدارة مصالحها ، ولكنها لطالما أضمرت اتفاقاً علينا وبالأمس أعلنت ذلك الاتفاق.
أن مجزرة يوم التصالح والتسامح ليست إلا عرضا جديدا صارخا في وحشيته يضاف إلى عشرات العروض التي أدى كل منهم دوره فيها ضد الجنوبيين ، وكيف لا يعلنوا اتفاقهم صريحاً وقحاً وهم يرون جسدنا الجنوبي يلاحم أشتاته وينفض عن نفسه أدران تنابذه، وهم يروننا نتصالح وأنفسنا، هم الذين يراهنون على فرقتنا مكاناً يعشش حقدهم وكراهيتهم بين أطنابه متسللاً بين أنساغ الجسد الجنوبي مفتتاً ذراته ومهشماً عظام لحمته، كيف لا يفعلونها ويشمرون كل آلة ضغينتهم وهم بالأمس التسعيني (94) لم يك لهم انتصاراً علينا إلا عبر أشتاتنا وخلافنا. عز على الغاشم أن يرانا متفقين، غلي دمه الملوث وانتفخت شرايينه الشيطانية.
بالأمس قتل الجنوبيون في يوم تصالحهم بيد حكومة النفاق الوطني، وأمعن القاتل فعله ولم يستح سادنها ( الإصلاحي) أطلاق فئران إعلامه يقرضون الحقائق بأنيابهم العفنة قصد تشويهها، والتبرير زيفا للفعل الإجرامي لحكومتهم غير الشرعية، ذهب إعلامهم وأبواقه يغالطون ويخلطون البهتان بالزور قائلين: كان بين المعتصمين الجنوبيين سلفيين وإرهابيين يحملون أسلحة ويطلقون النار، أنه الكذب القراح، لم يكونوا إلا شباباً جنوبيين عزل سوى من بعض أغصان القات، لعمري هل يمكن أن تكون أعواد القات سلاحا في وجه آلتهم العسكرية الوحشية !!( نعم لعلهم يرون في القات سلاحاً، فقد كان سلاحهم لتدميرنا، وهذا موضوع آخر سيفرد له مقال آخر).
بالأمس تساقطت هلاهيل الساتر الرث الذي لطالما حاولت بعض الأطراف الدعية في الشمال ستر سوأتها به، وكان صمتهم المريب إزاء الجرم الذي كان يغترف من دم الجنوبيين وجبته دليلا على تواطئهم. أين نشطاء حقوق الإنسان ، أين الليبراليون والتقدميون، أين الصحفيين المستقلين الذين يدعون المهنية ، أين كل هولاء وغيرهم من المدعين الذين رأينا زعيقهم وولولاتهم تملأ صفحات ومواقع الانترنت دفاعا عن الناشطة “ بشرى المقطري” بينما نحن كنا نقتل في نفس اللحظة ولم نر منهم لفتة تضامن أو تنديد بمصابنا.
هالني الخرس الذي الم بهم فجأة حينما تعلق الأمر بالجنوبيين ، وعلى ضفة ليست ببعيدة وقف إعلام حزب الإصلاح ومنتسبيوه ينجزون أدوارهم القذرة ويكشفون مواقفهم الحقيقية من الجنوب وشعبه وقضيته التي صدعوا رؤوسنا وهم يتغنون بحلها حلاً عادلاً حينما تنتصر ثورتهم التغييرية!!! أين توكل كرمان النوبلية ( يذكرني اللفظ بالهوشلية) توكل عضوة مجلس شورى الإصلاح التي ريا وزيفا وتسويقا لنفسها أمام العالم وفي محاولة للتغرير بالجنوبيين الطيبين وإيهامهم، كانت تقول حل قضية الجنوب هي مهمة انتصاري الأولى، بالأمس ظلت صفحتها في “الفيس بوك “ خالية إلا من زهو بليد تزف به خبر سفرها إلى الكويت.!! لا أثر ولا حتى شبه تضامن لنزيف الجنوبيين على تلك الصفحة المزينة بالريش، تبخر زيفها وظهر تدليسها.
كم أشفق من هول الفجيعة التي ستحل بمن لازال يرى في علي عبدالله صالح ونظامه عدونا فقط ،هاهي المواقف تعرى وتظهر أن ليس علي عبد الله صالح عدونا فقط وأن عدونا في الشمال منظومة سياقية متكاملة تبدأ بعلي عبد الله صالح ولا تنتهي بشريكه حزب الإصلاح ولا تتوقف عند القبائل والعسكر بل وتمر عبر التقدميين والليبراليين الذين لطالما راوغونا بمعسول الخطاب وهولاء ستتكشف صدمتنا فيهم أنكى وأشد في مستقبل الأيام. إلا من رحم ربي وهم قلة لن ينسى لهم التاريخ ولا الجنوبيون نصاعة قولهم ونزاهة ضميرهم وصدق مواقفهم.
في البدء كان المشهد:
جاثيين كنا، نحاول درء الرصاص عن رؤوسنا ، على بعد أمتار مضاد الطيران ينفث ناره فوقنا. مضاد الطيران !!!نحن لسنا سوى بشر راجلين!!! وقبل أن أكمل هواجسي المتخللة رعب اللحظة تهدر الرشاشات المتوسطة متبوعة برصاص البنادق وقنابل الغاز ورشاشات الماء، تحولت المياه سياطا تجلد أجساد الجنوبيين، نزعت القوات الشمالية عن الماء شرفه المقدس الذي اصطفاه الله للقيام به، لم يعد يحيي الأنفس، بل يجلدها في محاولة لإماتتها. “
ولكن هيهات نحن شعب يملك حق.يموت الطواغيت وصاحب الحق يناسل حقه.. فلا يموت ”يقترب أحد الصحفيين مني طالبا تسجيل شهادة تتخشب الألفاظ تتحرك متلعثمة على لساني. فقبل قليل سقط شهيد جوارنا برأس مفتت.اخترقته رصاصة غاشمة نحت نحوه منفصلة عن سرب رصاص هب متعطشا ينث الموت ويبحث عن ضحايا ، تتعالى أصوات الشباب يخالطها الرعب منبهة الصحفي: اخفض كاميرتك سيظنونها سلاحا يدفعهم لتصويب النار عليك. ثم لي: اخفضي رأسك أنزلي إلى الأرض سيقتنصونك، عز علي الأمر ظللت واقفة:” لن يخفض للجنوب رأس بعد اليوم”.
لا دموع في عيني ولا رعب في قلبي فقط ذهول تصاديه عزة وحماسة تزغرد في جوانحي، لأننا الأقوى واجهونا بالرصاص، اشعر بدوي الانفجارات تدمدم في أحشائي، يسحبني بعض الثوار لنحتمي بشجيرات صغيرة للزينة رصت على إطراف الساحة، أظنها اختضبت زينة لها من دماء الشهداء والجرحى في ذلك اليوم، كنا عزلاً إلا من إيماننا بقضيتنا ،تقترب منا آلات القتل أكثر يقهقه الحقد رصاصاته، نلوذ بالشوارع المجاورة تطاردنا الضغينة ، أي قدرة على القتل يملك هذا الغاشم، بأي سحر تأتمر الأفاعي سعيها ، ولكن لا يفلح الساحر حيث أتى، لقد القى الشعب الجنوبي بعصاه ستلتهم أفكهم سحرهم وستنكص أفاعيهم على أعقابها، ومن عليين ستشرع أيادي الشهداء قبضاتها طاهرة بيضاء من غير سوء، سيتحولون أجنحة تمخر بالجنوب عباب الذرى سموقا وعزة، ستحملنا أرواحهم صوب الانعتاق والوطن المحرر في غد ناظره أكيد. وسينزلق سافكي الدماء متعثرين بدماء الشهداء الزكية، وفي قصاص تحفه عدالة السماء سيتدحرج القتلة مذعورين يجرون نعالهم الملطخة بالعار.