هل دماء المنصوره فاتحةٌ للحوار ؟
بقلم : احمد عبداللاه
سؤال تجيب عليه الدبابات النشطة في شوارع عدن وهي كانت ولم تزل أشدَّ المحاورين فصاحةً وبلاغة حين يتعلق الامر بالقضية الجنوبية ولعلها اليوم تفتتح بالدم مرحلة الحوار الجديدة ، وهناك تاريخ نازف بالمآسي تجلَّى في اختيارات صعبة ، فإما الاستلاب الكامل او القتل الكامل وما بينهما وعود في الهواء المدجج بالدخان .
وفيما يُعْتَبرُ الأمن المركزي أداة بيد بقايا النظام او تحت وصايته في الشمال ، إلا انه وبقدرة الحميد المجيد يتحول في المنصورة الان الى أداة بيد الانظمة القديمة والحديثة مجتمعة لحماية (الدولة) من الحراك الجنوبي حيث يعكس الامر اجماعاً مطلقاً لمراكز القوى في صنعاء تجاه القضية الجنوبية بغية تقويضها معنوياً في الميادين خاصة قُبَيلَ ما يسمى ب( الحوار الوطني ).
هذا إن دلَّ على شي فإنما يشير إلى عمق الأزمة القائمة والشرخ الذي يتأصَّل ويتوسع بشكل متسارع ويمتد أُفقياً ، ( وهذا هو المخيف) ليصل الى المستوى الشعبي العادي بين الشمال والجنوب خاصة ، ومثلما أشرنا ، أن القتل في الجنوب مسكوتٌ عنه من قِبَل كافة القوى الرسمية والثورية في الساحات الشمالية ، ومع كل قطرة دم يبتعد الجنوب عن اي معنى للوحدة المتبقية ويتوغل الانفصال الروحي دون هوادة في النفوس .
يتم القتل تحت مبررات كثيرة ، الَّا ان الجميع يعلم تماماً ان الرصاص الان يتم توجيهها الى صدر حراك الجنوب لقتل الحراكيين وطلائعهم الشبابية الجسورة ، ومهما تعاظم هذا الامر سيظل يعكس حقيقة واحدة وهي أن دماء ابناء الجنوب غير محسوبة في ميزان حقوق الانسان اليوم ومنظماته المحلية والدولية وغير منظورة من الأوساط الاعلامية الداخليه والخارجية ، الحرة والمرّة .بكل هوياتها واهوائها ، فإما ان لا يتم انتداب إعلاميين محايدين الى عدن ومناطق الجنوب أو يتم اختيار متدربين على ارسال تقارير لا تعكس الحقيقة ولا تخدمها وفقاً لسياسات الاعلام الموجه اليوم ، ويعلم الجميع انه لا يوجد اعلام عربي حر وانما امتداد لتوجهات الدول وخدمة لاهدافها السياسية ،اما الاعلام اليمني فحدث ولا حرج البته فهو نموذج للتعصب وخاصة ان كان الامر يتعلق باي مسالة تاتي بها رياح الجنوب ، وهو ماكنات حزبية ملتزمه بإملاءات وأهواء النخب.إذن الدم الجنوبي وحيد ويجدون لنزيفه ألف حجَّةٍ .
ولكن الامر يجب ان لا ينتهي عند هذا القُبْح المهين إذ أن على كل الشرفاء التضامن مع شباب المنصوره ضد القتل والقوة المفرطة وضد إستخدام أسلحة الحروب النظامية بين الجيوش ضد شباب الحراك وبارادة جمعية للاحزاب الرئيسة التي تمرَّغ تاريخها بالدم الجنوبي حين تكالب صليل سيوف جهادها المعَمَّد بفتوى الدعوة ضد الكفار ودار الكفر ، وتقود اليوم قطار المرحلة نحو المجهول بذات الوجوه وذات العقول مع فارق وحيد هو أن إمكاناتهم تضخمت وميزان وطأتهم ثَقُلَ.
إن الجميع يتوقعون رد فعل مسموع من قبل التكتلات الجنوبية والحرس القديم والجديد إزاء هذا القتل المحتدم والشهية المفتوحة لدماء الحراك ، ليس بالبيانات او الخطب ولكن باتخاذ موقف متقدم يضع الطرف الاخر امام مواجهة حقيقية مع توافق جنوبي حاسم لصد هذا الظلم المستمر منذ سنوات خلت ، ولوقف هذه المهزلة الدموية التي تقودها قوات مشهود لها بالقتل والتنكيل وقصف المدن العشوائي والاغتيالات الغامضة .
إن لدى الجميع رصيدٌ من المعرفة بأن الوطنيات والإنسانيات تتوقف كلما كان الامر متعلق بالجنوب وان الليبرالية وحقوق الانسان وحتى العلمانية لها جميعاً جغرافيا مشطورة ومحدده وحتى جائزة السلام الدولية تتوقف خلف الشريجة وقعطبه والبيضاء .. حيث سيبقى الجنوب امام خيارين: أن يتبخَّرَ ببطيء في الوحدة او القتل دون مستقبله ، إذ أن النسبيه ليست من خصائص الزمان والمكان ولكنها موغلة في نسبيتها الفاقعه داخل منظومة القيَم الانسانية والحقوقيه لمخلوقي الله على أرضه والاحداث في الجنوب نموذج وهوية للظلم المشفوع بالتسويق للضرورات مثلما تم تسويق قتال ٩٤ بالتكفير السهل الغير ممتنع للجنوب.
دم مُطْلَقٌ نظيف ويتيم لم يأت من الحكايات القديمة ولم تغطًّه قصائد شعر عصماء كما لم تزفُّه الى مسامات الارض حملات تضامن الميديا او الفضائيات ، دم لا تسنده اي عدالة اجتماعية او سياسية ، مُغيَّب ٌ في حضور الثورات والجماعات في هذا الربيع العربي المخطوف .
إن من المفارقات ما يدعو للخجل حين نرى باعيننا المجردة مستويين في المشهد السياسي : الدم من ناحية ، ومن ناحية اخرى طاولات الحوار أو التهيئة لها ، حوار بين اطراف يجمعها تاريخ طويل من انعدام الثقه والبؤس السياسي الذي أزهر حقولاً شاسعة من الانتكاسات والاحباطات وازدهر على حيطان الاحزاب والشخصيات العامه كميزة قُطْرية اتسم بها رواد الازمات في اليمن منذ فجر الوحدة الفقيدة ، بؤس يتجلى اليوم بشكل ناصع بين جهود التواصل للحوار وبين الدماء التي لم تكن ولن تكون سوى ترجمة حرفيه لذلك البؤس والافلاس ولتعميق ما يكبر ويتعاظم بين ارواح البشر شمالاً وجنوباً والذي لربما سيحتاج الى تاريخ آخر لترميمه على الصعيد الروحي بعد ان تصبح الوحده كواقع مادي أمر لم يعد يحمل من المنطق والواقعيه مثقال ذرة .
دم المنصورة سيكون اختبار ليس سهل للجنوبيين حين يُرادُ لهم ان تُكْسرَ عظامهم قبل إرادتهم ليُدْخِلوهم حواراً ( وطنياً) خفيضي الهامات إنِ إعتلَتْهم ما يشابهها .إن الدماء والحوار لا يجتمعان ، واذا اجتمعا فإنها خطيئه يقترفها المظلوم على ذاته حينها يتوزع الدم بين القاتل والضحيه على حد السواء.
الدعوة اليوم إذن للتضامن واتخاذ مواقف ملموسة من الجميع دون استثناء ، وعلى الطرف الاخر نبذ القاعدة المذمومة بان الدماء توفر حلولاً مثالية في زمن غير مثالي .. فلم يكن هناك زمن مثالي في كل التواريخ المعاصرة وبالتالي لم تكن الدماء غير تقديم لدماء أخرى وتوطين للانهيار الاخلاقي المزمن وباباً واسعاً للاحتراب والثأر السياسي والخراب الشامل . ان المطلوب الان هو كبح شهوة الاحزاب المستعره للهيمنة على الشارع الجنوبي تحت شعار استعادة النظام الذي يعرف الناس جميعا بانه الغائب الاكبر في كل الجهات ولن يتحقق بالدبابات والتدمير وقتل الشباب ولكن سيتحقق فقط باعادة الحقوق لأصحابها فالأمن والسلام لن يتحققا بغير ذلك .