فوق سقف الوحده
احمد عبداللاه
…………………………
تحت سقف الوحده … يعادل من حيث المبدأ شعار الوحدة أو الموت ، أو أنه صِنْوٌ جديد له ، خُلِقَ في ظروف إعتباريه تَشَقَّقَ عندها النظام وتحلل الى منصات تقف عليها مراكز القوى القديمة الرئيسه في تنازع محموم على السلطة والمصالح .
إنَّ تجديد المواقف بعد ثورة التغيير ، من خلال وضع عبارة (سقف الوحده) هي عملية شبيهه بزراعة أعضاء منقوله الى ذات الجسد المريض بحيث تعمل لتمكينه من البقاء قيد الحياه بعد ان فشلت اعضاءه القديمة وظيفياً ، ومعها تقود بالطبع لتزييف جديد لوعي تم تزييفه مرات عديده حتى أضحى مثل جدارية ملطخه بطبعات كفوف سوداء قديمة وحديثه لا تُلْهِم الواقف أمامها باي قراءة ما، ولا تحمل أي دلاله … حيث يتم ترسيخ الاوضاع والمفاهيم القديمه من خلال صناعة جديده للشعارات التي تبدو للمستهلك العادي بانها تحمل نوايا حسنه .
إن الحوار أو التفاوض كآلية ووسيلة يفترض انها تتم بمعايير يقبلها الطرف المنهوب والمُعتدى عليه ، وهذه بديهية في اي منهج عدلي ، لكن المشهد هنا مختلف تماماً فالحوار مع الجنوب يُرَاد له ان يتم تحت سقف الوحده ، وتحت ضغط الاستقواء بالمفاهيم الجديده التي يفترض ان (ثوره التغيير) قد اتت بها، وهي حقيقة لم تأت الا بالتضحيات التي فتحت الباب للشق الآخر من النظام لتولي أمر المشهد السياسي وربما لتطوير نموذج جديد من الدكتاتوريات الناشئه والمؤهله من الناحيه السيكولوجيه ومن ناحية وضعها السياسي الاجتماعي – القبلي .. ونراها اليوم تقف على ذروة الفعل السياسي خارج أجهزة السلطات الرسميه.
إن مخالب النظام القديم باكملها ( الجيش ، القبيله والدين ) تعمل بتلاحم حديدي تجاه قضية الجنوب وتساندها بالطبع شرائح واسعه في المجتمع الشمالي بنوايا ومآرب مختلفه .
وللمشاهد والمهتم بأمر القضية الجنوبيه أن يدرك بان هناك أمور متناقضه بل ومتنازعه تعكس ليل ضبابي للمشهد السياسي ترتد عنه البصائر والأبصار ، وهذا امر ليس عفوي بل هو وسيلة معروفه تماماً يتم من خلالها وضع الجنوب في مهب التجاذبات والضبابيه التي تلف مواقف القوى في الشمال ، أي تكريس وسيلة برمجة الضياع وإضعاف الإرادة الجنوبيه من خلال المراهنه على الإمعان في تمزيق النسيج السياسي للقوى ، وجعل مسألة الحوار بطبيعتها التي ظهرت عليها مجرد فخ قد يساهم في بناء واقع سياسي جديد تتباعد فيه الكتل الجنوبيه وتفسح المجال هنا للاختراقات الكبيره تتشكل على ضوئها خارطة جديده للوضع في الجنوب ويتم تفريغ الفعل الجماهيري او بالاصح نقل القوه من الساحات والميادين الى الكتل وربما الى طاولات الحوار وهذا أخطر ما يمكن حدوثه .
وبينما هناك اتصالات من اجل الحوار لحل القضية الجنوبيه الا انه من الجهة الخلفيه يتم وفق شرطية سقف الوحده كمفهوم مرجعي للطرف الشمالي من زاوية فريضتها الدنيوية والدينيه مُقَدَّمه في طبق سياسي جديد ، كما انه لا يتم بين الشمال والجنوب كطرفين ندَّين وإنما بين قوى متعدده داخل دولة واحده وفي اطار الصفه الوطنيه للحوار . وهذا بحد ذاته يمثل إجابة صريحه وإستباقيه لكل مطالب الجنوب وهذا ما يجعل الحوار مجرد مقطع تم تحديثه من التراث الطويل .
وحتى الطرف الرسمي والاطراف الحزبيه والقبليه لم تُكْرِم الجنوب باي اعتذار لما لحِقَ به او اي اعتراف بحقوقه واولها حقه في ان يقول رأيه أو يعلن موقفه من الوحده كونه كان ولم يزل شريكاً ، وهذا ما يحمل الدلالة القطعيه بان مفهوم الوحدة عندهم يترجم ارادة القوه لا غير وليس اختيار طرفين بشكل متكافئ .
اذاً كيف يريدون
إستمرار وحدة مفروضه بالقوه وجعلها كسقف مقدس لا تلامسه الرؤوس ، وان حاولت سيتم قطعها ، كيف يريدون صيانتها وبقاءها في محراب لا يُمَس وفي ذات الوقت يروجون لحوار شفاف ، والعجيب ايضاً انه على الجنوب ان يدخل في حوار أعمى ، أي دون معرفة قناعات الاطراف الاخرى ومشاريعهم ومواقفهم ودون وجود مجرد تلميح بان للجنوب حق الاختيار كيفما اراد ، وحتى أن الوضع الذي افرزته حرب ٩٤ لا يزال قائم ولا يوجد أي مسعى للتغير ولو من باب إظهار حسن النوايا .
حتى مجرد تلميح مُلْتَبَس لا يوجد خاصة من مثلث النظام :
العسكري – القبلي – الثيوقراطي , علماً بان الحزبين الرئيسين ( المؤتمر والاصلاح ) هما توأما المنشأ والبيئةٍ الواحده وطبيعة مراكز القوى المؤثره بداخلهما، وهما معاً شكلان لتنظيم سياسي واحد وإن اختلفا مرحلياً لكنهما يعبران عن تحالف أوليجاركي بين القيادات السياسيه والعسكرية ، والمشائخ ورجال الدين ورجال الاعمال مع تواجد لرموز من شرائح التكنوقراط ومثقفي الاحزاب ويحتكران بالتقاسم غالبية الركائز الشعبيه والولاءات المختلفه ، وبالطبع ستظل الدوله المدنيه أغنية رومانسيه في حناجر الشباب المنهك من التضحيات والمخترق بسطوة الاحزاب مالياً وايديولوجياً .
وفي كل هذه الزحمة يجب على الجنوبيين التعامل مع الحوار كي لا (يزعل) المجتمع الدولي او الاقليمي ، خاصة المملكه السعوديه التي أُوكِلَ اليها ملف اليمن بما حمل ، والتي غيرت أولوياتها في فرز القضايا داخل البلد الجار، فبينما كانت من اشد خصوم مشروع الوحده وكذلك من اشد الداعمين للجنوبيين في حرب ٩٤ ومعها كل دول المنطقه (ناقص واحد) ، الا ان التداعيات التي تلتها اثبتت بان المملكه لاتحمل موقف انساني او تقف الى جانب الشعوب المستضعفة بشكل ثابت بقدرما تترجم مصلحتها الآنيه في مواقف انتقائيه وكذلك دول المنطقه ، جيراننا ، والمعصومه تاريخياً وبإرادة دوليه من رياح الثورات والتغيير.
لكن هذا الامر حتى وان كان مؤثر فلا يجب ان يكون مرجعي يتم على أساسه تعديل الاتجاهات او المسارات التي يجب على الجنوبيين اجتراحها.
الجنوب أعلى من سقف الوحده لانه أرض وشعب وتاريخ وهوية بينما الوحده عملية سياسيه أو وسيلة محدده ولم تكن اكثر من حلم يقظة ما لبث ان أحترق في أول خطوة نحوه وتبخر في الهواء مع الرطوبة والغبار.
إن المسألة البديهيه في كل سياسات الدنيا التي يتم تبنيها لتحقيق اي هدف تكمن في : أن أي مشروع ستراتيجي يجب ان يرتكز على ضرورات واقعيه حيث يتم أيضاً خلقها في الوعي الاجتماعي بشكل متين خارج الخُطب المعنويه الفارغه التي لا تحمل ذرة من الحقائق او المستند المعرفي ، ولا تُبْنى الاهداف الكبيرة على أحلام مجرده لا تستند الى منظومة قيَمٍ داعمه لها لانها بدون ذلك ستنهار وتحمل معها انهيارات اجتماعيه كبيره .. وهذا بالضبط ما حدث لمشروع الوحده الذي تم بناءه بشكل رومانسي تحت قمر الظهيره وعلى شاطئ وردي مالبث ان أكله طوفان الحقائق .
لقد أكدت المجموعه الاوروبيه مرارا بان أي تفكير حول أي مشروع فدرالي او حتى ما يشابهه بين اعضائها يجب أن تسبقه مسألة خلق الضرورات والمبررات اولا وان يكون اي مشروع من هذا القبيل مجرد تقنيه وليس حلم سياسي ، وسيلة ناجعه تقود الى تكامل عقلاني للمصالح الماديه والاجتماعيه وليس الى واقع سياسي يقوم على ضياع طرف واستقواء آخر ، فالحلم السياسي الذي يفوق الواقع سيتحول الى عنوان للانتحار البطيء والتمزق المتوقع والاكثر ايلاماً .
وهنا يجب الاستنتاج من معرفتنا بان شعار سقف الوحده : ما هو الا سقف الوحدة او الموت ، ولو صنعوا له ألحاناً جديده وادوات عزف حديثه .
وإنْ قَبِلَ به أيُ طرفٍ جنوبي سينتحر سياسياً دون شك.
إنَّ من يعتقد بأن القيادات الدينيه والقبليه في الساحة الشماليه تصنع يمن جديد او تبني دولة حديثه عليه أن يصدق بان الأزمة الاقتصاديه هناك سيتم معالجتها بالأعشاب الطبيه.