لو كنت مكان الرئيس هادي
ما من شك أن تصدر الأخ عبد ربه منصور هادي لمهمة رئاسة الجمهورية اليمنية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ اليمن هو عمل فدائي من الدرجة الأولى ليس لضخامة المنصب أو تعقيدات مهمات الرئيس الروتينية، ولكن للإرث المعقد الذي تركه سلفه والذي بنى منظومة حكمة على نحو لا يستطيع أن يديرها إلّا من تتلمذ وتربى وعاش في كنفه والأهم من هذا من رضيت عنه العصابة المحيطة بـــ”الزعيم الرمز” التي بالتأكيد لم يكن هادي أحد أفرادها وإن بدا شكليا كذلك.
من هنا يمكن تفهم التردد الكبير الذي أبداه هادي في القبول بمهمة رئاسة الجمهورية لعلمه أن المطلوب في من يتصدر هذا المشهد إما أن يكون خبيرا في تفكيك الألغام أو صانعا متقنا لتلك الألغام، والألغام هي مجموعة الفتن البادية والخفية التي وطنها النظام السابق وظل المحيطين به ومنهم هادي يتفرجون عليها دون أن ينبسوا ببنت شفة في الاعتراض عليها.
الإرث الملغوم الذي تسلمه الرئيس هادي كبير إلى درجة تستدعي منه الاستعانة بكل مكونات المجتمع بما في ذلك من كان ذات يوم على خصومة معهم، وأقصد هنا على وجه الخصوص من لا يزالون يشعرون أن التغيير الذي شهدته اليمن خلال العام 2011 لا يعنيهم ويتمثلون بجماعة الحوثيين في صعدة ومعظم مكونات الحراك الجنوبي السلمي الذي ما يزال يعامل اليوم كما كان يعامل في عهد صالح مع إضافة ألقاب جديدة يراد بها الإساءة إلى قضيته كتعبير (الحراك الانفصالي المسلح المدعوم من إيران) وهم يعلمون أنه لم يكن قط مسلحا، وقد نشأ وتطور قبل ظهور الفزاعة الإيرانية بأكثر من نصف عقد.
التغير العاصف الذي شهدته اليمن خلال العامين المنصرمين، ينبغي أن يرافقه تغيير في طريقة إدارة البلد وفي التعامل مع التحديات التي تطرحها المرحلة، حتى لا نظل نراوح في نفس المربع الذي توقفنا عنده قبل ما يقارب عقدين من الزمن.
اليمن اليوم بحاجة إلى أن تدار بعقلية جديدة وخطاب سياسي جديد ومنهاج سياسي جديد ومنظومة حكم جديدة وإلا فإن المقولة التي يكررها البعض، بأن ما جرى في صنعا خلال 2011م هو تنازع على الغنائم بين شركاء حرب 1994م ستجد لها براهين جديدة في سلوك السياسيين الممسكين بزمام الأمور في البلد.
ليس المطلوب من الرئيس هادي وشركائه في الحكم أي خطوات انتقامية من أحد، ولا المطلوب منهم القيام بأعمال خارقة تخرج عن لمألوف، بل المطلوب منه الذهاب باتجاه إثبات أن عملية الانتقال إنما جاءت لتعيد لليمنيين دولتهم المخطتفة، وحقوقهم المسلوبة وأملاكهم وثرواتهم المصادرة من قبل الطغمة المتنفذة، وهذا لن يتأتي من دون التحرر من عقلية الاستعداء والشيطنة والتخوين والاتهام لكل من لا يوافقنا الرؤية أو الموقف السياسي تجاه هذه القضية أو تلك.
لا يراهن أبناء الجنوب على جنوبية الرئيس هادي ليتخذ قرارات جريئة تعيد لهم ما صادرته منهم حرب 1994م الظالمة، وإذا ما صح ما ورد على لسان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر أثناء لقائه فيالقاهرة بالقيادات الجنوبية النازحة في الخارج، بأن أول من حدثه عن مظالم الجنوب هو الرئيس هادي نفسه، فإن هذا يعني بأن الرئيس بدأ يقر بأحقية القضية الجنوبية بالمعالجة العادلة بما يعيد الحق إلى نصابه، لكن السؤال الذي لم يجد جوابا حتى الآن هو لماذا لا يقدم الرئيس على خطوة جريئة ولو من باب إرسال رسائل الطمأنة للجنوبيين بأنه ناوي على إنصافهم باعتباره يرغب أن يكون رئيسا لكل اليمنيين وليس لشطر من اليمن أو للون سياسي دون سواه من ألوان الطيف السياسي اليمني.
لو كنت مكان الرئيس هادي لاتخذت على الفور الخطوات التالية: 1. إعادة كل المبعدين العسكرين والمدنيين إلى أعمالهم وتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقتها بهم سياسات ما بعد حرب 1994م الظالمة، وإذا ما قال قائل أنهم انقطعوا عن العمل وتخلفت قدراتهم ومؤهلاتهم، والكل يعلم أنهم لم يخرجوا برغبتهم بل رغما عنهم، إذا ما قيل ذلك فإن إعادة تأهيلهم لن تتطلب أكثر من أشهر. 2. التوجيه بالإطلاق الفوري لكل نشطاء الحراك السلمي الجنوبي، ومعهم بالطبع شباب الثورة الذين ما يزالون مختطفين لدى بعض الأجهزة الأمنية التي يعرفها هادي جيدا. 3. إطلاق صحيفة الأيام وتعويضها تعويضا عادلا عن الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقها بها المعتدون، وتجريم الاعتداء على الصحف والصحفيين لأي سبب كان. 4. إصدار قرار خاص باعتبار شهداء الحراك السلمي شهداء للوطن ومنحهم ما يستحقونه من تعويض مقابل تضحياتهم، والتوجيه بمعالجة جرحى الحراك أسوة بشباب الثورة. 5. تشكيل لجنة من المتخصصين لدراسة نتائج عمليات النهب التي تعرضت لها محافظات الجنوب والتوجيه بإعادة كل ما نهب إلى أهله وإذا كانت المنهوبات ملكا للدولة تعاد إلى الدولة وتسخر عائداتها لتنمية المناطق الجنوبية، أو توزع للمستحقين من أبناء الجنوب وليس للأثرياء الذين لم يفدوا إلى للنهب والسلب والاستئثار. 6. إصدار مرسوم بقانون يعيد الاعتبار لكل من تعرضوا للتخوين والاتهام والمحاكمة المصطنعة على خلفية هزيمتهم في الحرب العبثية، 7. الاتصال بكل المعارضبن النازحين في الخارج من القيادات السياسية ودعوتهم للعودة إلى البلد وتأمين لهم حياة كريمة وآمنة تمكنهم من الإحساس بأنهم في وطنهم، أو إرسال مبعوثين خاصين لهؤلاء القادة للتحاور الفردي أو الجماعي معهم والتعرف على وجهات نظرهم وإشعارهم بأنهم ما يزالون محل احترام وتقدير قيادة البلاد.
هذه وغيرها من الخطوات التي يجب اتخاذها ليشعر اليمنيون بأن الحاكم الجديد يختلف عن سلفه وأنه ناوي أن يتحرر من تراث ثقافة التخوين والاتهام وشيطنة الآخر الذي لا يوافقنا على ما نفعل.
والله من وراء القصد.
برقيات:
* تقرير الجزيرة عن المبعدين العسكرين الجنوبيين الذي قدمه مراسلها في اليمن الصحفي أحمد الشلفي مثل بادرة طيبة من مكتب الجزيرة في صنعا، لكنه لم يتناول إلا رأس جبل جليد القضية الجنوبية ترى هل ننتطر من الجزيرة مزيدا من التقارير عن نهب الأراضي والاستيلاء على المنشآت واختطاف الوكالات التجارية وبيع الوظائف الحكومية ومسخ وهدم الحياة الثقافية والمعالم التاريخية للجنوب على مدى عقدين من الزمن؟
* قال الشاعر العربي الكبير بدر شاكر السياب:
أيها الشعب يعصب الداء عينيـ ــه فلا تبصران ضوء النهارِ
الدواء الذي ترجي ســــــــيأتيــ ــــك اسمه من حناجر الثوارِ
تعصف الصيحة المدماة بالتــــ ــاج على كل مــــفرقٍ مستطارِ
يوم لا الظالم الغشوم بمنجيــ ـــــــه من الثائرين وشك الفرارِ
لا ولا القيد مستطيعٌ حيالَ النـ نـــــــــــار صبراً ودونهُ ألــــفُ نارِ
الردى والهوان خــط الأذلاء وكلُّ الحـــــــــــــــــــــــياة للأحرارِ