المستقبل الذي نريد
|
لو قمنا بعملية حسابية بسيطة لعدد الخطابات التي ألقاها عشاق المنصات منذ يوم كسر حاجز الخوف وانطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في 7يوليو وحتى اللحظة، لدخل بها الحراك الجنوبي موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية من الناحية الكمية طبعاً.
لكن لو أخذناها من الوجه الآخر “النوعي” لوجدناها عبارة عن خطاب واحد يتم تكراره في كل فعالية، وان تغيرت الشخوص والمنصات والمفردات. كحال خطيب الجامع الذي يملك خُطب منبرية مكتوبة على عدد جُمع السنة ثم يعيدها ذاتها في كل الأعوام.
لا أظنه معيباً القول أن تلك الخطابات على كثرتها، قد فشلت في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية القبول بالآخر، والاعتراف بحقه في التعبير عن آراءه ومعتقداته، بعيداً عن لغة التعصب ولهجة التشنج وانفلات الأعصاب. حتى أن بعض قيادات ونشطاء الحراك عزفوا عن حضور الفعاليات لإيمانهم بأنها لم تعد تحمل جديد على مستوى الخطاب، وأن بعض من تلك الخطابات أصبحت مُنفرة أكثر من كونها جامعة وموحدة للصف الجنوبي. بل أن الغالبية العظمى باتت تحتشد ليس من أجل الخطاب والاستماع إليه، وإنما من اجل الفعالية ذاتها على اعتبار إنها حدث يجب أن تساهم في صناعته لإيصال رسالة للعالم، مع أن هذا العالم لا يكتفي برؤية الصورة فقط وإنما يبحث عن مضامين خطابها السياسي وقدرته على نشر مفاهيم الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، ومدى احترامه للآخر ونبذه لثقافة العنف والتحريض.
كثيرة هي الفعاليات التي انقسمت على نفسها بسبب الخطاب السياسي، وأكثر منها انتهت بأكثر من خطاب وبيان صادر عنها، وهذا هنا ليس له علاقة بالتنوع والتعدد، لأن هذا الأخير يقتضي تنسيق مسبق للإتفاق على الخطوط العريضة للخطاب ورسم مضامينه بصيغة مشتركة، ما يعني أن التعدد يأت اولاً لا تالياً للفعالية.
ليس معيباً ايضاً الاعتراف بالفشل والعمل على تصحيحه من خلال جعل المهمة الرئيسية التي يجب أن تتصدر اهتماماتنا ومنصاتنا وخطاباتنا في المرحلة المقبلة هي إعادة صياغة الوعي الثوري بأهمية القبول بالآخر، لأن القبول بالآخر في هذه المرحلة النضالية من عدمه هو معيار للطريقة التي سندير بها المستقبل الذي يقرره الشعب في الجنوب بنفسه دون وصاية من “البيض” او “ناصر” او “العطاس” او “عبدربه” او غيرهم.
هل نريد مستقبل لنا كلنا، أم لفئة دون غيرها؟ هذا ما يستطيع العالم أجمع قراءته في خطاباتنا وفعالياتنا… وكفى.