بايدن والامارة الحوثية في اليمن.
خيرالله خيرالله//
ليس سرّا ان إدارة جو بايدن ستكون مهتمّة بانهاء الحرب في اليمن. هذا ما كتبه صراحة وشدّد عليه الرئيس الأميركي الجديد في مقال طويل نشره في “فورين افيرز” الفصلية الربيع الماضي.
شرح بايدن في المقال، بأدقّ التفاصيل، مآخذه على إدارة دونالد ترامب في كلّ المجالات. كان من بين ما اتى على ذكره حرب اليمن وان بطريقة توحي بانّه لا يعرف الكثير عن تعقيدات اليمن والتغييرات التي حصلت في السنوات القليلة الماضية.
يمكن القول انّ بايدن سعى، من خلال مقاله الطويل، الى الظهور في مظهر السياسي المثالي الساعي الى إعادة الولايات المتحدة الى موقع من يقود العالم. ليس من حق احد الاعتراض على ذلك. لكنّ ما يثير القلق، في الموضوع اليمني تحديدا، تلك النظرة الضيّقة الى موضوع في غاية الخطورة من جهة وذي انعكاسات على المنطقة كلّها واستقرارها من جهة اخرى. إنّه موضوع في غاية الأهمّية بسبب الموقع الجغرافي لليمن في شبه الجزيرة العربية وثقله السكّاني وحال التخلّف التي تسود فيه. تسهّل حال التخلّف هذه تجنيد مقاتلين يمكن زجّهم في حروب يجهلون كلّ شيء عن دوافعها.
لعبت حال التخلّف هذه دورا مهمّا في جعل الحوثيين يمتلكون جيشا كبيرا يعمل لمصلحة ايران التي اطلقت عليه تسمية “انصار الله”. هل الرئيس الأميركي الجديد على علم بذلك وعلى علم بالوجود الإيراني في اليمن ومدى تجذّره… ام انّ هدفه، من حيث يدري او لا يدري، تكريس تحوّل جزء من اليمن الى قاعدة إيرانية في شبه الجزيرة العربيّة؟ هذا ما على المحكّ في اليمن بعدما تساهلت ادارة أوباما في التعاطي مع الحوثيين الذين وضعوا يدهم على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 ثم قتلوا علي عبدالله صالح في مطلع كانون الاوّل – ديسمبر 2017 من اجل التخلّص من القوة الوحيدة التي كان يمكن ان تضع حدّا لاقامة امارتهم الإيرانية في اليمن على طريقة الامارة الطالبانية (نسبة الى طالبان) التي اقامتها “حماس” في قطاع غزّة منذ منتصف العام 2007.
قامت امارة “حماس” بدعم ايران وحلفها غير المعلن مع الاخوان المسلمين. تكشف نظرة الحزب الديموقراطي في الولايات المتّحدة الى احداث اليمن، منذ ما قبل الاحداث التي اندلعت وادت الى استقالة علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2012، قصورا رهيبا. لم تر الولايات المتحدة، في عهد باراك أوباما، اليمن سوى من زاوية “القاعدة” وانتشارها فيه. يُخشى ان تكون هناك عودة الى عهد أوباما ووزيري خارجيته هيلاري كلينتون وجون كيري. كان كلّ حديث مع أي من مساعديهما عن اليمن حديثا عقيما. كان هناك تجاهل اميركي تام للخطر الحوثي. هل مجيء جو بايدن الى الرئاسة سيعيد السياسة الأميركية في اليمن الى نقطة توقفت عندها مطلع العام 2017 مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض؟ من المنطقي طرح مثل هذا السؤال. ما هو منطقي أكثر فهم الأسباب التي أدت الى تدخل عربي في اليمن في العام 2015. لم يأت هذا التدخل من فراغ، بل جاء بعد توقيع الحوثيين، مباشرة بعد استيلائهم على صنعاء، سلسلة اتفاقات مباشرة مع الحكومة الإيرانية تجعل مطار صنعاء مطارا ايرانيا.
فوق ذلك كلّه، سارع الحوثيون الى إقامة مناورات عسكرية على الحدود السعودية واندفعوا في اتجاه السيطرة على كلّ اليمن. نجح التحالف العربي، على رأسه المملكة العربية السعودية، في وقف التمدد الايراني في اليمن. يعود الفضل في ذلك الى الدور الاماراتي الواضح في استعادة عدن من “انصار الله” ومنعهم من البقاء في ميناء المخا الذي يمكّن ايران من السيطرة على باب المندب الاستراتيجي. هذا لا يعني ان حرب اليمن انتهت وان الطريق معبّدة لمخرج سياسي ما. لا تزال هناك مشكلة أساسية تتمثّل في “شرعية” بائسة يجسّدها الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي. قدّم عبد ربّه الى الحوثيين كلّ الخدمات التي يستطيع تقديمها عندما كانوا في حاجة الى من يزيل العقبات في طريق بلوغهم صنعاء بعد سيطرتهم على محافظة عمران في 2014. فوق ذلك كلّه، لا يزال الاخوان المسلمون الذين يشكلون، عبر حزب التجمّع اليمني للاصلاح جزءا من “الشرعية”، في تحالف من تحت الطاولة مع الحوثيين.
هناك نقاط التقاء بين الجانبين الحوثي والاخواني في ظل رئيس موقت لا فائدة منه. تعتبر ايران المستفيد الاوّل من هذا التحالف. لا يمكن تجاهل ان اليمن تغيّر في السنوات القليلة الماضية، خصوصا منذ إقامة الحوثيين امارتهم في صنعاء. نجح هؤلاء في القضاء على كلّ معارضة لهم في شمال اليمن عن طريق اخضاع القبائل وتفكيكها. كان نجاحهم الأكبر في التخلّص من علي عبدالله صالح، الذي كان على الرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها، وهي أخطاء كبيرة، القوّة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الحوثيين. كان علي عبدالله صالح يستطيع الاستعانة بالقبائل اليمنية التي تطوّق صنعاء والتي تؤمن بالمال فقط. نفّذ الحوثيون حكما بالاعدام في حقّه نظرا الى انّهم كانوا يعرفون جيّدا انّهم لا يستطيعون تحييده الى ما لا نهاية. لم تعد مشكلة اليمن في وقف الحرب او عدم وقفها، علما ان من الضروري وقف هذه الحرب. المشكلة ابعد من ذلك بكثير. ما العمل بالامارة التي أقامها الحوثيون في شمال اليمن وهي ليست سوى قاعدة إيرانية في شبه الجزيرة العربية. هل هذا امر واقع ستعترف به إدارة جو بايدن؟ يفترض بالإدارة الاميركية الجديدة معرفة ان أمورا كثيرة تغيّرت في اليمن وانّ تعقيداته زادت وان المشكلة المطروحة ليست محصورة بـ”القاعدة” وما شابهها. هناك وجه آخر للمشكلة اسمه الامارة الحوثية التي لا تقلّ خطورتها عن خطورة “القاعدة”..