الصَّقِيع يذوب كالتَّطْبيع
برشلونة : مصطفى منيغ
تجمَعُنا صفات منها محبة فلسطين ، بالنسبة لي شيء عادي ، أما بالنسبة لها فأمر أقوى من العادي ، كيهودية إسرائيلية تعيش لأعوام طويلة في المكسيك ، حباً ترجَمتْهُ “بِيرْلِيَهْ” مواقف جعلتها تكبر في نظري ، ليس لكونها مغربية تفخر بمغربيتها الأصيلة مثلي ، ولكن لعزة نفسها ، ورقة مشاعرها ، ونقاء ضميرها ، وهي تتحدث عن الحق الفلسطيني كأنه لها تماماً وليس لمن استولى عليه من بني صهيون المتبرئة منهم عن صدق لدرجة أنها لم تكن راضية عن “التطبيع” بمثل ما حصل عليه بين المغرب وإسرائيل ، لكن ما باليد حيلة ‘ ما يراه السياسيون المسؤولون عن تسيير دولة ، يختلف عمَّا يراه الذين شيَّدوا حياتهم اعتماداً على مبادئ تفرق بين بياض الأبيض وسواد الأسود ، كما تفصل بين النظيف والوسخ ، السياسي المضغوط يقر أن البيضة سليمة ، دون التيقّن أنها كذلك بالفعل ، أما الحر في فكره لا يجزم بعدم تعفنها إلا بفقسها فيراها بعينيه و تتقبل حاسة الشم فيه رائحتها ، طبعا إسرائيل تتصرف وكأنها عالمة بعدد حبات رمانة بعض العرب ، بما تملكه من الكترونيات دقيقة مجمعة في آلة محسوبة الشكل على قلم حبر بسيط ، وهي من اخطر الجواسيس المُعوَّل عليها في أشياء ، أصبح التمعّن في محيط جوهرها ، مع الإبقاء علي طبيعتها كما كانت ، من الايجابيات التي لعبت عليها ، لاقتلاع ما كان مستحيلا اقتلاعه من بعض هؤلاء العرب ، المتعوّدين على شراء ما يرونه متعة ، يستوجب الحصول عليها بأي ثمن ، والواقع أنهم يبتاعون جاسوساً يعد حتى أنفاسهم مُحوّلة رموزاً مشفّرة تصل حجرة خاصة بآليات استقبال أجود بكثير ، مما تملكه الأجهزة الإستخبارية لدول تحظى بالقدرات المادية العالية ، لكنها لا تخصّص لمجال البحث العلمي إلاّ الفُتات ، ممّا سهّل على إسرائيل توجيهها دون شعور منها ، لأي اتجاه تريده . المغرب شيء ثاني خاص ، له من الخبراء المحلّيين ما يجعلونه خارج السَّيطرة الإسرائيلية ، بل نجده متفوّق في التعامل بدقّة ونجاح باهر ، مع أي عشّ ، لا زال المتخفي وسطه مهما كان التمويه ، مُتَابَعٌ عن بُعْدٍ أو قُرب دقيقة بدقيقة ، خطة تتلو أخرى دون كَلَلٍ أو عياء ، ووقتما آمن ساكن ذاك العش وأراد التعامل مع ما دُرِّب عليه، وجد نفسه محاصر ولا مناص قدامه إلا الاستسلام للأمر بغير رتوش ولا ادوار مسرحية يتقمصها، فكل ضده مسجل لحظة بلحظة ، بالصوت والصورة ، كيف تَمَّ ذلك لا أحد يعلم غير المعنيين بالموضوع أساساً ، ولو كان المغرب يتلقَّى أموالاً داعمة كما تتلقَّاها إسرائيل منذ عقود لما احتاج شراء أسلحة جد متطوّرة من الغرب أو الشرق (غير العربي) للدفاع عن نفسه ، لكن الابتكار العلمي الخالي صاحبه من الإمكانات المادية لا حول له إلا تحصين ذاته بالعلم لدرجة يستطيع التعامل بها مع المتقدمين الند للند ، وبهذا المغرب ضرب عصفورين بحجر واحد ، ضمان استمرارية الاستقرار بالابتعاد عن مصادر مكائد السيطرة علية ، وبالخصوص من لدن إسرائيل ، المتغذّي بمعلومات عنها أوّل بأول ، قبل أن تتعشّى به ، لأنه محبوب من مليون يهودي مغربي داخلها ، بما فيهم نخبة حاكمة ، مهما كان القرار لا يصل ضرره (إن كان) للمملكة المغربية ومصالحها مهما كانت المنطقة أو الجهة من العالم ، صحيح ثمة مشاكل وحيف وظلم وإقصاء وانعدام ديمقراطية ونقائص متعددة ، ليس المقال ميَّال لعدّها والتوسّع في تفاصيلها بصراحة مسؤولة ، ولكن ساعة الجد ينقلب المغرب لدولة وشعب ، والكل على كلمة واحدة ، الدفاع عن الوطن ، عَمَلاَ بأنّ المغربي إذا جاع قال الحمد لله ُ وإذا مرض كرَّر نفس الحمد ، لكن إذا ظُلِمَ فهو صعب وصعب جداً ، على هذا الأساس التطبيع الحاصل مع الصهاينة ، لن يكون كما تريد إسرائيل ، بل بما شاء المغرب أن يكون في ظل صلاحيات مشروعة تربطه بفلسطين ، أهمها أن الشعب المغربي لا ولن يقبل التفريط في شرعية امتلاك الفلسطينيين كافة أراضيهم ، لإقامة دولتهم المستقلة عاصمتها القدس ، وما عدا ذلك تكون إسرائيل قد صدّقت فعلاً مثل التطبيع أكان مع الإمارات العربية المتحدة ، أو مملكة البحرين أو المملكة المغربة أو أي دولة أخرى ، بل تكون مكتفية بالسطح رغم امتلاكها كما ذكرنا من التكنولوجيا المتقدمة ما تسمع بها حركة جملٍ في الرُّبع الخالي من صحراء الجزيرة العربية ، لكنها لا ولن تستطيع الاطمئنان لعقل عربي واحد لا قدرة لها على معرفة أين يوجد وكيف يفكر وما يحمله من ضغينة في مخيّخه عن ظلم إسرائيل لجزء مهم من كيانه المُمَثّل في الشعب الفلسطيني المكافح الشريف .(للمقال صلة)