فكر الأستسلام وثقافة التطبيع
كتب : رائد صالح النينو ه :
سقط السقوط وانت تعلوفكرةويداًوشاما .. ! محمود درويش قبل قرار الامم المتحدة تقسيم فلسطين عام 1947 م , قال دافيد بن غوريون ( لا داعي لتحديد الحدود ) وتحمل هذه العبارة حقيقة المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي لأقامة دولة اسرائيل في الارض الموعوده , وتحقيق ( وعد الرب ) , ويروا في فلسطين منحه من الرب وأرض بلا شعب .وبعد اتفاقيتي ( كامب ديفيد ) بين مصر واسرائيل , قام رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ( مناحيم بيجن ) بزيارة مصر , وحين التقى بالرئيس المصري ( انور السادات ) قال له : ( لقد قطعت المسافة للوصول خلال اربعين دقيقه , بينما شعبنا تاه فيها اربعين عاماً للوصول ) وكانت هذه العبارة أشارة واضحه الى حقهم المزيف في هذه الارض , وان سيناء وامتدادها الى الداخل المصري هي ارضهم , ورغم توقيع الاتفاقيات , مازالوا متمسكين بحلمهم في أقامة دولتهم مابين النهرين , وتأكيد الاستمرار في مشروعهم التوسعي , فهذا الكيان لايلتزم بأتفاقيات ولا قرارات دولية , المحرك الاساسي له اقامة الوطن الموعود .في جريدة ( دافار ) 10 / 11 / 1977م كتب ( دانيال بلوخ ) معلقاً على زيارة ( السادات ) الى الكيان الصهيوني : ( أما من ناحيتنا فإن السادات يعطي اسرائيل بزيارتة أقصى حد ممكن , وهو ليس الأعتراف بحق وجود اسرائيل , بل بعدالة وجودها , , لا بل اعترافاً بالايديولوجية الصهيونية التي ادت الى قيام دولة اسرائيل ) , وتحمل هذه العبارة في ظاهرها زهوة الانتصار , ولكن في حقيقتها وجوهره الاعتراف بالايديولوجية الصهيونية – وهنا مكمن الخطوره – والقبول بها عن طريق خلق وترسيخ فكر عربي جديد جوهره الاستسلام وتعميمه فكراً وثقافة , وأخضاع العقل العربي ليألف بوجود الكيان الصهيوني كحق شرعي ومشروع .وهذا السعي المحموم لأخضاع العقل العربي وأختراق جبهتة الثقافية تجسد واضحاً حين تسلم سفير دولة الكيان الصهيوني عمله في القاهرة بتاريخ 17 / 2 / 1980م فقد كان اول عمل قام به تقديم ( شيك ) الى الكاتب المصري توفيق الحكيم مقابل ترجمة وتسويق كتبه في دولة الكيان الصهيوني , وهذا العمل الموجه نحو الفكر والعقل والقلم , سياسة صهيونية لتشكيل العقل وفق ارادتها ومشروعها التوسعي والاعتراف بوجودها , والبدء بتوفيق الحكيم صاحب ( عودة الروح ) لضرب الروح العربية المقاومة بل وقتلها , فقد كانت ( عودة الروح ) الكتاب المفضل عند الزعيم الراحل الرئيس جمال عبدالناصر الذي قال ان ( عودة الروح ) كان لها تأثير على الضباط الاحرار , ولهذا سعت العصابات الصهيونية الى قتل روح المقاومة لدى العرب , ففي الفكر الصهيوني ان العربي الجيد هو العربي الميت او المستسلم , فالمشروع الصهيوني مشروع قتل وتوسع .وسعت الدول الاستعمارية ورأس حربتها دولة الكيان الصهيوني الى خلق عرب بلا روح , نشر وتعميم ثقافة الاستهلاك , ليس في المنتجات والبضائع فقط , بل وفي الافكار , ليتحول العرب من منتجين الى مستهلكين , ومن مبدعين في الفكر الى مستقبلين ومتقبلين له , دون نقاش , لأعادة تشكيل وعيهم حسب الارادة الاستعمارية وحليفتها اسرائيل .حرب الخليج الثانية 1991م لم تكن نتيجتها أنتصار الحلفاء على العراق فقط , بل اظهرت التفكك والعجز العربي , وزيف شعارات التضامن العربي وقرارات القمم العربية , وعودة مشروع التسوية مع الكيان الصهيوني , ترافق ذلك مع انهيار المعسكر الاشتراكي الداعم للدول العربية , بالايديولوجيا والسلاح , والمساند لها في المواقف السياسية والدبلوماسية , لتبدأ مرحلة النظام العالمي الجديد ذو القطب الواحد , فارضاً ارادتة على شعوب العالم وفق مصالحة وخططة الاستعمارية .وبناءاً على ماسبق , فأن الدوله الاستعمارية الجديده ( الولايات المتحدة الامريكية ) والدول الاستعمارية القديمه- الجديده ( بريطانيا و فرنسا ) وضعت نصب أعينها تأكيد وجود الكيان الصهيوني كدوله معترف بها في المنطقة , وتمثل استمرار للمشروع الاستعماري , واعطائها المشروعية والاعتراف من خلال عقد الاتفاقيات مع الدول العربية , وبث الروح باتفاقية ( كامب ديفيد ) 1978م بين مصر واسرائيل واعادة احيائها لتكون نموذجاً لعقد اتفاقيات مع دول عربية اخرى , وبقدر ماكانت كامب ديفيد تغير معادلة الصراع العربي – الاسرائيلي من خلال خروج مصر – اكبر دولة عربية سياسياً وعسكرياً والاكثر تعداد سكاني – من دائرة الصراع , كانت ايضاً اختراق وتفكيك للجسد العربي الواحد وضربة للمشروع القومي العربي التحرري .واذا كان مشروع التسوية مع الكيان الصهيوني يهدف بالاعتراف به كدولة , سياسياً , ووقف الصراع معه , عسكرياً , الا ان الاخطر هو التطبيع ثقافياً , والتعامل معه اقتصادياً , فالتطبيع يعني الاعتراف بدولة ( الكيان الصهيوني ) شعبياً , وهذا مارفضته وترفضه الشعوب العربية بقيادة مفكريها ومثقفيها وقواها الحية , رافعين شعار ( لا للتطبيع ) قولاً وفعلاً , بينما خلال السنتين الماضيتين سقط بعض الحكام العرب في مستنقع التطبيع وتلطخوا بوحله , والهروله للأعتراف بدولة الكيان الصهيوني الغاصب , الا يعرف اولئك الحكام ان الاعتراف باسرائيل واقامة العلاقات معها لايعني التطبيع , لأن التطبيع يعني القبول بها شعبياً والتعامل معها عبر المؤسسات الفكرية والثقافية والاقتصادية والادبية والفنية والشعبية , وهذا ليس من اختصاص الحكام العرب , ولنا في الموقف الشعبي المصري نموذج ومثال بعد اتفاقية كامب ديفيد , حيث رفض الاحرار من المفكرين والمثقفين والادباء والممثلين والفنانين المصريين التعامل معها , ولم تتم دعوتها للمشاركة في المهرجانات الثقافية والادبية والفنية والسينمائية ومعارض الكتب وغيرها , ليجتاح الشارع المصري عدم القبول بأسرائيل , ولعب الدور في ذلك المفكرين والمثقفين وكل فئات وقطاعات الشعب وحتى المواطن المصري البسيط , ليشكل ذلك اجماع شعبي عدم الاعتراف والتعامل مع اسرائيل بالرغم ان مصر وقعت اتفاقية معها , وهذا اتفاق سياسي بين دولتين , ولايفرض على الشعب تقبلها نفسياً والتعامل معها ثقافياً .فهولاء الحكام العرب ينطبق عليهم قول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش :عربٌ أطاعوا رومهم ..عربٌ وباعوا روحهم ..عربٌ وضاعوا ..كل التحايا والتقدير والوقوف احتراماً للثابتين على مواقفهم , الصامدين في وجه تيار التطبيع الساقط في بئر الخيانة .