فصيلة دم.. ماركة التسامح
حين تسمو النفوس فوق جراحها.. وترتقي بفعلها الايجابي لتجاوز أثر المحن والنكبات التي حلت بها فإنما هي بذلك تجسد عظمة ورفعة تلك النفوس المعطاءة المعفرة بالحب والتضحية.
٠سمت القلوب وارتقت لتعزف سيمفونية زمن جنوبي قادم.. خال من صراعات الماضي.. وأحقاد الزمن المتراكمة.
٠أبت تلك النفوس وهي في عنفوان نضالها الثوري أن تستجر أحقاد وأضغان الماضي.. وكان لابد عليها أولا أن تخلق توحدا في الذات والموقف وما كان لهذا التوحد أن يتأتى إلا من خلال ميلاد عملية كبرى بفعلها وعظيمة بوقعها.. فكان التصالح والتسامح .. تلك الخطوة الجبارة التي أتقن صنعها أبناء الجنوب.. ٠واختلت بسببها موازين قوى أركان حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
لقد أبدع الجنوبيون في “انتاج” مرحلة حاسمة من تاريخهم السياسي في راهن سياسي متشابك كانت من خلاله كافة دوائر القوى المتسلطة تتربص بهم لتئد حلمهم التواق للحرية.. لكنهم رموا خلف ظهورهم ما كان يؤرق حلمهم ويعيق خطوهم.. ويخلق للطرف الاخر الف فرصة وفرصة من أجل الانقضاض عليهم.. والاستمرار في العبث بمقدراتهم ومحو هويتهم وثقافتهم بل وإلغاء كيانهم.. وكانت الخطوات بهذا الاتجاه تسير بوتيرة عالية.. سخر لها نظام صالح الشيء الكثير من الامكانيات واستطاع شراء العديد من ضعاف النفوس للتأثير في “شق عصا” أبناء الجنوب وتعميق هوة الخلاف بينهم من خلال العزف على أوتار الصراعات السياسية التي أرهقت البلاد والعباد خلال الفترة الممتدة ما بين 1967-1990م.
٠ لقد أدرك طلائع الجنوب حجم اللحظة الراهنة في تاريخ صراع القوى السياسية اليمنية من ناحية.. وفي جوهر الصراع المتصاعد بين ثقافة الجنوب المرتكزة على روح الدولة المدنية وقواسم النظام والقانون.. وثقافة الشمال المبنية على إرث التسلط وأكل الضعيف.. وموالاة الشيخ.. وأن الهيمنة المفتعلة التي أوجدتها دبابة 1994م، إنما هي من ورق وبالتالي كان التحدي المقرون بعزيمة لا تلين نحو تحقيق نهج التصالح والتسامح قولا وعملا.
٠ لقد شكل مبدأ التصالح والتسامح الذي اختط طريقه أبناء الجنوب قبل تسع سنوات اللبنة الاولى لفعل النضال الثوري في الجنوب.. ومن خلاله استطاعوا تحصين مسيرة نضالهم وفعلهم من أي عملية اختراق سعى ويسعى لها النظام وقد غدت اليوم تلك المسيرة/ الملحمة السلمية عصية بسياج ذلك المبدأ الذي تؤتي أكله كل يوم على صعيد الساحات ثمارا زاهرة / يانعة.
٠ والجنوب اليوم يلتقي بصفاء نفس.. وتوقد عزيمة واصرار وتحدي دونه القبر نحو تحقيق هدفه المنشود بعد أن كان لمنهج التصالح والتسامح أثره الواضح في وجدان الشعب الذي ينظر إلى المستقبل بعين الثقة الخالية من أوجاع والآم الأمس فإنه حري بأبناء الجنوب وقد صنعوا ملاحم تلو ملاحم أن يبرهنوا لمن لازال يعزف على أوتار الأمس ويسعى إلى نبش التراب بأن هذا التراب لن يعمي سوى بصيرة من ينبشه من أولئك الذين لازالوا يعملون ضمن كتيبة “الطابور الخامس” أما جموع الشعب الذي اكتوى بنيران تلك الصراعات، فقد أحال أوجاعها إلى أفراح ودمارها إلى حدائق تزهر غدا ناصع التآخي والتلاحم.
وهذه هي سمة من كان فصيلة دمه “جنوب”.