لهذا يرفض الجنوبيين الحوار..!!
إن الحوار يستند إلى المبادرة الخارجية وهي المبادرة التي جاءت تعالج الأزمة بين أطراف الصراع في صنعاء والموقعة على المبادرة ، إذ جراء الاستماع إليهم من قبل الدول الراعية للمبادرة وباعتبار إن قضية الجنوب لم تكن واردة ضمن تلك الأطراف ومن ثم فالمبادرة كانت بعيدة عن قضية الجنوب وهي مسائلة طبيعة ، لذا وجب إعادة النظر في مطالبة الجنوبيين للدخول في الحوار وان تعمل على حوار ثنائي بين الشمال والجنوب الذين دخلوا في وحدة فشلت بالحرب على الجنوب.
إن مطالبة الجنوبيين وممارسة الضغوط عليهم بدخول الحوار الوطني المزمع قيامة الشهر القادم لا تستند على مبررات موضوعية وقانونية وان من يدعون الجنوبيين للحوار لم يتفهموا لقضية الجنوب وإبعادها المختلفة , حيث إن هناك عدد من الحيثيات التي تعطي للجنوبيين الحق بعدم التفاعل مع تلك الدعوات وعدم دخولهم الحوار وهي:
- لم يدرك السياسيون والفنيون الذين وضعوا مبادرة الخليج قضية شعب الجنوب وأبعادها المختلفة، حيث اختزله المبادرة الحل للمشاكل في اليمن بعد نزع فتيل الحرب وبعد تقاسم السلطة بين فرقا الصراع السياسي في صنعاء بالحوار الوطني ، وجاء إلحاق القضية الجنوبية بإشراك الحراك الجنوبي في الحوار في ذيل المبادرة بالصورة المبسطة لقضية الجنوب، وعدم فهم أبعادها السياسية والثقافية والاقتصادية ، وهذا يستدعي من الدول الراعية والتي تمارس ضغوطها على دخول الحراك الجنوبي في الحوار الوطني يستدعي منهما أن يفتشوا على أبعاد القضية الجنوبية والتفريق بينها وبين القضايا الأخرى في اليمن.
- إذ لم يدرك هؤلاء إن حرب 1994م على الجنوب كانت قد قضت فعليا على أي إمكانية للحوار بين الشمال والجنوب. ومن ثم إنّ التمهيد للحوار لابد أن يبدأ في معالجة نتائج هذه الحرب التدميرية والتكفيرية التي الحقت الضرر النفسي والثقافي في الجنوب قبل الضرر السياسي. فالنقاط العشرين التي كانت قد تقدمة بها لجنة الحوار للسلطة للعمل بها كمقدمات لتهيئة الأجواء للحوار قد رفضت تماماً ، بل وردت عليها بعض القوى بالتهديد بالحرب على الجنوب
فبدون النظر إلى ذلك ومعالجة تلك القضايا يبقى أن الحوار سوف يكرس نفس الوضع القائم فمن غير المنطقي والمعقول أن يدعو الجنوبيين للحوار مع الطرف الذي قضى عليه ومازال يتحكم بالقوة نفسها. وان من شنوا الحرب على الجنوب ومارسوا النهب والقمع مازالوا يتصدون المشهد السياسي في صنعاء, ويتحكمون في إخراج آلية الحوار.
- لقد أثرت الحرب على وجود التعايش المجتمعي بل ومنعت إمكانية خلق فضاءات للحوار والتسامح ، إذ خلقت انقسام واضح ولّد القهر الاجتماعي فظل المنتصر هو المنتصر، ومنع الخطاب السياسي والإعلامي أي أفق للحوار خلال السنوات الماضية فزاد من انتشار التباعد والكراهية في خطاب القوى السياسية والتمترس السياسي والجهوي الذي مكن قوى الفساد وسلطة صنعاء أن تواصل سطوتها على مقدارت الجنوب وتدمير مقوماته البشرية والاقتصادية لصالح طبقة وفئات اقتصادية ، لذلك فمن غير المعقول أن يثق هؤلاء ” الجنوبيين ” بان قضيتها ستحل بالحوار خصوصاً وان من كان سبباً في الحرب هو الذي يتحكم في إخراج آليات الحوار وإدارته الفينة .
- لقد خلفت الحرب شرطاً نفسياً كبيراً في الشخصية الجنوبية وهو ما يجب أن تلتفت آلية المبادرة بل بالأصح كانت المبادرة قد استثنيت القضية الجنوبية من أساسها، بل جاء إدراجها في نهاية إعداد المشروع. بمعنى لم تكن القضية حاضرة في كل الخطوات التي سبقت المبادرة في الحوارات والتواصل الذي تم مع أطراف الصراع في صنعاء، والتي بنيت عليها فكرة المبادرة وآلياتها التنفيذية. ومن هنا فإن الأمر مختلف تماما لقضية الجنوب . فإذا أدرك أبعادها من قبل الراعي الدولي والإقليمي وحسب علمي أن الآمر لديهم قد تغير من الفترة التي صيغت بها المبادرة على الوقت الراهن وهو ما يستدعي أن تبحث في مسار آخر، وليس في مؤتمر حوار وطني ، ربما الحوار الوطني سوف يقرب الأمر لحوار أخر بين الشمال والجنوب حول القضية الجنوبية إذا ما أراد الراعي إغفال الصراعات والبحث الجدي لهذه القضية ذات الأهمية في المنطقة.
- إن قضية الجنوب تختلف كلياً عن القضايا الأخرى في اليمن. إذ لم تكن الوحدة بنظر النخب الحاكمة في الشمال تتغير في مسارها التاريخي والمعاصر فهي وحدة ضم وإلحاق- عودة الفرع للأصل وحدة الحرب والموت، وحدة القائد الواحد ووحدة الفتوى الدينية والحرب التكفيرية، وهو الأمر الذي تتفهم له الدول الراعية للمبادرة ومبعوث الأمم المتحدة .
- إن من يدير ويهندس للحوار اليوم هم اللذين أداروا السياسة الخارجية لصالح في الحرب والسنوات التي تلتها في نهب الجنوب ، وهم من أفشل الحوارات السابقة بين طرفي النزاع الشمال والجنوب في 1993م فكيف يثق بهم الجنوبيين.
- ما زالت ثقافة الغلبة وثقافة إلغاء الآخر هي السائدة في ذهينة هؤلاء الكتبة الرسميين وعاظ السلاطين فهم من هندس لصالح في الأمس المفاهيم الواحدية بغرض التخلص من الجنوب كمعادل حقيقي في الدولة كمفهوم واحدية الثورة اليمنية، والثورة الأم، والبنت، والوحدة أو الموت وإعادة تحقيق الوحدة، وواحدية الشعب وحرب الردة والانفصال والشرعية وغيرها من المفاهيم التي تشبع بها الخطاب السياسي، مفاهيم مغايرة للواقع وللحقائق التاريخية ، وهي في الأساس مخرجات ثقافة اقصائية تمنع قبول التنوع وتلغيه لأنها لاتقبل بالآخر أو تعترف به فهو تابعاً خاضعاً رعوياً لها ثقافة استبداديه فالحوار في ظل هذه الثقافة يستحيل إن يأتي بنتائج تعالج هذا التمترس وهذه الثقافة الاستقوائية.
- إن تجارب الحوار في اليمن مريرة بصفة عامة فبعد كل حوار كانت تتم الحرب فالحوار مقدمات لها فالحروب بين الشمال والجنوب قبل إعلان الوحدة 72م و 79م جاءت بعد فشل الحوارات وكذالك في العام 94م، والحوار بين السلطة والمعارضة في صنعاء كاد إن يوصل إلى حرب العام الماضي .
- إن وحدة وسلامة اليمن المنصوص عليها في المبادرة لا تعني بالضرورة وجود الدولة المركزية الواحدة ، فقد تكون الوحدة بالتنوع والتعدد وبأكثر من دولة، ومن هنا فان الحل الناجع للقضية هو الحوار بين طرفي الشمال والجنوب ، بعد حوار الأطراف في صنعاء. وبإشراف دولي.
- ليعلم الجميع إن وضع القضية الجنوبية في أولويات الحوار هو دليل على التجاهل المتعمد للقضية وتبسيطها وحشرها بقضايا أخرى ، وان الهدف من ذلك يحمل دلالتين معا الأولى توحيد أطراف الشمال تجاه الجنوب وبذلك تقل خلافاتهم البينية ، وثانيا نفهم إن المقصور هو إفشال الحوار بذريعة عدم دخول الحراك .