هبل اليماني
قال امرؤ القيس وهو مع صاحبه على درب الاستنجاد بقيصر روما، بحثاً عن حليف .. قال لمرافقه الذي أُصيب بالجزع والفزع وهو يلاحظ مفازة الصحراء الطويلة التي لا تكاد تنتهي .. قال له مُخاطباً:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن إنَّا لاحقان بقيصرا
فقلت لك لا تبكِ ويحك إنما
نُحاول مُلكاً أو نموت فنُعذرا
الثقافة التي تقرن السلطان بالمُلك كانت وما زالت تختصر عقولنا، ولهذا السبب لا يتخلَّى سدنة النظام القديم عن محاولاتهم في إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وسيحاولون استعادة السلطة ولو كان دونها الموت الزؤام .
وقال آخر تأكيداً على ما نذهب إليه :
وإنا أُناس لا توسط بيننا
لنا الصَّدرُ دون العالمين أو القبرُ
وعلى هذا المنوال كان عمرو بن ربيعة يتفاخر في جاهليته قائلاً :
ونشرب إن وردنا الماء صحواً
ويشرب غيرنا كدراً وطينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً
تخر له الجبابر ساجدينا
وقال واهم آخر:
إذا ماغضبنا غضبة مضريةً
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة
ذُرى منبرٍ صلى علينا وسلَّما
فتأمل عزيزي القارئ في هذه الأقوال، واستنطق بعين القلب ما نحن فيه وعليه، ولاحظ هذه الثقافة الهمجية العنصرية التي مازالت تعيد إنتاج نفسها في بلادنا، وكيف أننا وبرغم الألفية الثالثة نعيش ذات المتاهة التي حاول إسلام التوحيد الإبراهيمي الحنفي إخراجنا منها، لكننا سرعان ماعُدنا إليها، فها نحن اليوم نعبد (هُبل، واللات والعُزَّى ومناة)، مع فارق جوهري أن أصنام الجاهلية الأولى كانت افتراضية.. ذات صلة برمزية مفاهيمية، وكان عابدها يصنعها بيديه، أمَّا أصنام اليوم .. آلهة الضالين، فإنهم من لحم وعظم.. يدبون على الارض، ويأكلون مما نأكل ، ويغتاطون كأي بهيمة اعتيادية، مع ملاحظ فارق آخر بينهم وجموع البشر، وهو أنهم يأكلون حد التخمة، ويفجرون بالمال المنهوب حد السَّفَه، ويمارسون مصادرة منهجية لحق المواطنين في مجرد الحلم البسيط، ناهيك عن الحياة الكريمة.
هُبَل اليماني هو صنم الأصنام وراعيها الأمين، ونحن الساكتون الصامتون القابلون الخائفون الخانعون، لسنا سوى مُحللين لمتألهي جاهليتنا الجديدة .