الشيطان الجنوبي !!
يحز في النفس القول إن لدينا نحن أبناء الجنوب رغبة عجيبة ودافع غريب للبحث عن نقاط الخلاف والاختلاف فيما بيننا وتضخيمها مهما كانت ضئيلة وهينة ،في حين نتجاهل نقاط التوافق والالتقاء وان كانت بحكم الواقع كبيرة ومتعددة وتمثل القاسم المشترك فيما بيننا.
نحن الجنوبيون لدينا قابلية هائلة للانفجار في وجوه بعضنا كقابلية الغار للاشتعال إذا اقتربت منه النار ، نضخم عيوب من نخاصمه منذ الوهلة الأولى للخلاف معه وان كنا قد سترنا هذه العيوب لسنوات طويلة حين كان الحب يجمعنا بحسب قول الشاعر .
وأما أسوأ ما فينا فهو إننا حين نختلف لاندع مجالا لإصلاح ذات البين والعودة إلى مربعنا الأول إلا بشق الأنفس هذا إن عدنا .
عبر تأريخنا الطويل والقريب كانت خلافات قادتنا تعود في أصلها لأسباب هينة بل وصبيانية للأسف أحيانا أساسها العناد ومنذ الإحداث التي تلت الاستقلال حتى إحداث يناير ثم حرب 94 الظالمة خسر الجنوبيون الكثير من الرجال والقادة وعانوا الشتات والتشرذم والأسباب في كل هذا يمكن تلخيصها في رغبة القادة في العناد والمناكفة.
لم يختلف قادتنا منذ الاستقلال إلى اليوم وهذا ما يدركه الجميع على توزيع ثروات البلاد فيما بينهم كما لم يختلفوا على الأموال والقصور والمناصب العالية أو على فساد كبير وإنما اختلفوا على سفاسف وعناد ويكفي إن الرفاق الذين قتلوا سالمين كانوا يتباكون عليه بعد شهر من استشهاده بحسب ما قال لي مقرب منهم حينها وقالوا لقد دخل الشيطان فيما بيننا فقتلنا أخانا وهذا مجرد نموذج .
ويحكى انه عندما قامت الوحدة كان الدافع الجنوبي في الأساس لدخولها بتلك الطريقة الانتحارية يكمن في العناد بين إطراف الحكم طبعا دون نكران الدافع الوطني والشعور التواق للوحدة حينها ،وبدلا من إن تساعد الوحدة في إعادة لم شمل الجنوبيين من زمرة وطغمة حينها كانت شروط الجنوبيين القادمين من عدن إلى صنعاء هي خروج إخوتهم الذين سبقوهم إليها.
إما أبشع أوجه العناد الجنوبي فتجلت بأسوأ صورها في حرب 94 م حينما قاد الجنوبيين المقيمين في صنعاء حربهم الانتقامية ضد إخوانهم وحتى ضد أهلهم أنفسهم ولمجرد العناد أيضا حالوا دون تسوية أوضاع إخوتهم بعد الحرب بل كانوا المصرين على تهميشهم وعدم إنصافهم .
اليوم وبعد إن وحد الحراك إلى مستوى كبير الشارع الجنوبي خاصة بعد إعلان مبدأ التصالح والتسامح ظل القادة أسيري رغبتهم في انتهاج أسلوب العناد ولمجرد ان يتبنى هذا توجها يتبنى الآخر توجه مغاير وكأنهم في مسلسل درامي هزيل السيناريو والإخراج.
نتذكر جميعا انه خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الحراك الجنوبي رفعت الجماهير صور عدد من القادة والزعماء الجنوبيين وهتفت بأسمائهم وخلال الفترة ذاتها حطمت صورا أخرى وأسوا ما كان يقال بحق من تسقط صورته انه خائن هكذا مرة واحدة. صحيح إن من عيوب القيادات التي أسقطت جماهيريا دبلوماسيتها الزائدة وتلاعبها بعواطف الناس الذين لا يريدون إلا سماع كلمة واحدة دون اعتراف بالحسابات السياسية لكن ذلك لا يوجب تصنيفها ضمن خانة الخونة مهما يكن الأمر.
في الشارع الجنوبي تعمل اليوم اطر وكيانات جنوبية عديدة منضوية في إطار الحراك الجنوبي السلمي ولكل مكون من هذه المكونات نظرته التي تلتقي مع المكونات الأخرى في الهدف والغاية وان اختلف معها في الوسائل والطرق للوصول إلى الهدف المنشود إي إن جميعها مكونات جنوبية مخلصة للقضية وتعلن ذلك كل يوم ومع ذلك نسمع بقوة من يخون هذا ويشكك في نوايا ذاك وكإن كل واحد فينا يرى انه وحده الجنوبي ووحده الصواب وغيره مخطئون.
إن وطنا مدمرا محطما تحيط به المؤامرات والدسائس من كل اتجاه لن يبنى بالعناد الذي لا يرتقي إلى مكانة القادة الجنوبيين وتأريخهم
وكذلك فأن الوعي الشعبي إذا ظل على هذا الحال منجذبا إلى عبارات التخوين والتشكيك بالآخرين وانتمائهم لوطنهم فانه يمثل نذير سوء وإذا ما عددنا كم من القيادات البارزة في الداخل والخارج التي نالها نصيبها من التخوين وخيانة القضية فإن حسبة بسيطة توصلنا إلى نتيجة إننا جميعا وفي القريب العاجل سنكون في نظر بعضنا خونة.